الأحد، 4 سبتمبر 2016

صمتُ علماء السنة .. عجز أم تقصير \\بقلم الدكتور محمد القصاص



لم يكن هذا المقالُ ليخطرَ على بالي لولا أني لاحظتُ صمتا مميتا وعزوفا ليس له نظير من قبل علماء السنة ، بل وعجزا ملحوظا بقدرة معظم علمائنا المسلمين عن إعمال الفكر ، بما يفيد الناس عامة وينفعهم ، ولم جد بدا من كتابة هذا المقال لما رأيت من نشاط وحركة دائبة ، ومثابرة من قبل علماء الشيعة الذين يتمتعون بفكر عظيم وعلم غزير ، وفلسفة منقطعة النظير ينعدم مثيلها في أروقة الدين الحنيف في مؤسساتنا الدينية كلها .
إنني بهذا المقال لستُ بصدد الترويج للاستمتاع باللقاءات والندوات والمحاضرات المكثفة التي يقدمها أولئك المشاهير من العلماء للمشاهدين في كافة أنحاء المعمورة ، مستخدمين أرقى الأساليب ، وأقصر السبل لإيصال المعلومة الفكرية إلى السامع والمشاهد بغض النظر عن دينه ومذهبه .

ولكن المثير للكراهية ، هو أن بعض أولئك المشايخ ، يخرجون عن النص القرآني والسنة النبوية ، فيقومون بشتم بعض الخلفاء الراشدين أو سبَّ أم المؤمنين عائشة بما برأها الله منه من فوق سبع سماوات .
وإننا نحن السنِّيون ، نؤمن بأن ما يقدمه بعض مشايخ الشيعة ، وخاصة في علوم الدين والقرآن وسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، لهو شيء مدهش وجميل وينمُّ عن بلوغ غاية قصوى من العلم ، ومحصلةً من الفكر والمعرفة لا يرقى إلى مستواها معظم علمائنا في المذهب السني ، والدليل الأوفى على هذا القول ، هو أن علماء السنَّة والمشايخ الذين يكلَّفون بإلقاء المحاضرات والندوات ، سواء في المحافل الدولية أو الأماكن العامة وفي المناسبات الخاصة ، و حتى خطب الجمعة ، يُشبعوننا تأتأةً ولفا ودورانا دون أن يوصلونا إلى حقائق الأشياء وما نبتغيه حقا من فكر عميق ، وحينما نقوم بارتياد المساجد أو حضور المناسبات نذهب إلى هناك بمحض إرادتنا ، وبذهننا تحقيق غاية وهدف لم نألفهما من قبل ، لأننا نطمح بعلم وفكر جديدين ، ولكن قد يخرج معظمنا من الجلسة أو الخطبة دون أن نعي مما يقولون ولو كلمة واحدة ، بل وقد لا نخرج بشيء أبدا ..
نعم .. يصيبنا السخطُ والغثيان في كثير من الأحيان ، ونحن نستمع لخطب ممجوجة يقدمها الكثير من على المنبر ممن ينصبون من أنفسهم أئمة ومشايخ ، والكثير منهم لا يمتلكون من العلم أي شيء من أي شيء ، بل وحتى لغة القرآن لم يكن لها حظا أو نصيبا من الإتقان في خطبهم الهوجاء الفارغة .
قلة هم العلماء الذين نراهم أحيانا على شاشات قنوات التلفزيون المصري (جزاهم الله كل الخير) ، وأغلب الظنِّ بأنهم من علماء ومشايخ الأزهر ، وحريٌّ بهم أن يكونوا كذلك ، فأولئك هم من أصحاب الفكر حقا ، ويقدمون للإسلام وأهله خدماتٌ جلَّى ، بما يأتون به من علوم شتى تقود إلى فكر عميق وعظيم ، تكاد تضاهي قدرات علماء الشيعة بل وأكثر بما يقدمونه للمشاهدين والمستمعين ، من علوم راقية ، وهم قادرون فعلا على البذل والعطاء ، وقد تتشابه الأساليب تقريبا ، ولكن المقارنة ما بين زخم العلماء المصريين وعلماء الشيعة تكاد تكون غير متكافئة حتى ، لأن القنوات التلفزيونية التي يديرها الشيعةُ سواءٌ من إيران أو من العراق أو من أي دول أخرى لها من الإمكانيات والقدرات ما لم تتوفر لسواها في دول العالم العربي كله ، ممن ينتهجون النهج السني .
كم أتمنى أن لا يكون هناك مفاضلة بين العلماء المسلمين سواء أكان من الشيعة أو السنة ، بقدر ما يقدم كل واحد منهم للإسلام ما يستحق ، على أن يترك وراءه كل أسباب الخلافات والمفارقات والابتعاد عن الشتائم والسبِّ ، والتي لم نعرفها من قبل ، سواء في علمنا أو في دراساتنا ولا حتى في تعاليمنا الإسلامية السمحة ، لكنها باتت الآن واضحة المعالم ، بحيث يقوم بعض العلماء بالشتم والسبِّ على رؤوس الأشهاد دون خجل ولا وجلٍ ولا حياءْ .
القنوات التلفزيونية الإسلامية متعددة ، ولكنها مع كثرتها قاصرة عن تقديم البذل والعطاء ، عاجزةٌ عن تقديم ما يبتغيه المسلم ويطمح إليه ، وأتمنى أن لو كانت الإمكانيات التي تبذل من أجل إدامتها أن يكون وراءها ما يطمح إليه كل مسلم من علم نافع وفكر نير ، يحاكي عقول الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية والأخلاقية ، طالما أن تلك القنوات موجودة ومتعددة ، فإن بالإمكان أن تبرمج تلك القنوات ، لتقدم علماء أجلاء من المفكرين العظماء ، وهم من الذين لا يكون لهم حظ بالظهور ، لأن ظهور العلماء لا يكون إلا مصادفة وبلا سابق تدبير .
بل إن معظم ندواتنا العلمية ، والتي يقوم على برمجتها أناس لا يهمهم المستوى العلمي ولا المستوى الفكري ، بقدر ما يهمهم التكلفة المادية والقيمة المالية لكل ندوة من الندوات ، فبعض العلماء الأجلاء ، موزعون على تراب الوطن العربي ، يفصلهم عنا معوقات كثيرة أهمها المعوقات المادية وتكاليف السفر ، سواء سافر العلماء إلى أماكن الاحتفال أم قامت القنوات الفضائية بإرسال مندوبيها إلى أولئك العلماء الأجلاء في عقر ديارهم ، لمقابلتهم واستخلاص ما يجودون به من فكر ينفع الأمة الإسلامية قاطبة ، لأن القنوات الفضائية الآن أصبحت قادرة على تجاوز المسافات مهما اتسعت من أجل تحقيق الأماني ..
وأما الخطباء عندنا ، فهم بحاجة إلى إعادة تأهيل ، وكم يدهشني تدني المستوى العلمي لدى الكثير منهم ، بحيث لم أجد لديَّ رغبةً لمتابعتهم ولو لدقيقة واحدة ، لما أصابُ به من خيبة أمل وإحباط شديدين .
ولعلًّ منظمة العالم الإسلامي هي التي تتحمل المسئولية الجسيمة ، في تبني هذا العمل ، ومن ثم المؤمنين بالله في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية والقائمين على هذا الجانب الديني والإنساني الهامّ في حياتنا على مستوى الوطن ، ينتبهون لهذه الناحية ويولونها من اهتمامهم الشيء الكثير ، فلا يلتفتون إلى العمائم والألقاب والمرور عنها مرور الكرام بلا اهتمام أو إصغاء ، لا بل عليهم أن ينتبهوا جيدا ويستمعوا لما يكون من خطب أو محاضرات ، لكي يستطيعوا الحكم بالحقِّ وإجراء التقييم اللازم لإمكانيات كل خطيب ، وبهذه الطريقة يمكن استبعاد العشرات منهم عن الساحة الخطابية لأنهم لا يقدمون للإسلام وأهله سوى التجهيل والنفور من ديننا الحنيف ، وأنا أؤكد بأن معظم الذين يحملون ألقابا ومسمياتٍ لها من البهرجةِ ما لها ، غير مستحقين لتلك الألقاب ، ولا يجوز أبدا أن ندعوهم بالمشايخ أو الأئمة ، بينما لا يحملون من هذه المسميات سوى سبحة طويلة يحملونها للزينة فقط .
والله من وراء القصد ،،،،

ليست هناك تعليقات:

مجلة واحة الثقافة والادب الالكترونية