الخميس، 29 سبتمبر 2016

جوادٌ إذا استغنيت عن أخذ ماله ..!...بقلم الدكتور محمد القصاص

كثيرا ما نصطدم بالحقائق الغريبة ، ونواجه أمورا حياتية شتى ربما تكون بالغة التعقيد ، سواء بتعاملنا مع عامة الناس ، أو خاصتهم ، تلك هي سنة الحياة ، وتلك هي ظروف أخلاقيات الناس في شتى أصولهم ومنابتهم ، قلة هم الذين نضع ثقتنا بهم ، فنجدهم من الذين يحفظون العهد ، ويصونون الثقة ، ويحتفظون بشيء من المروءة والوفاء والإخلاص ، ويدخرون للصداقة متسعا في أفئدتهم ، فيحيطون بعض أصدقاءهم بالرعاية والعناية ، ويمنحونهم الثقة والأمان بلا تردد.
إن هذا الوفاء المتداول في أيامنا هذه لدى كثير من البشر ، هي مسألة نسبية ، تتفاوت درجاتها بين شخص وآخر ، بحيث لا يمكنا الحكم على بعضهم حكما مطلقا إلا بعد تجربة قاسية ومضنية.
وحينما نُخضِعُ بعضهم للتجارب سواء أكانت حقيقية أم غير حقيقية ، فقد نسبب لهم الإحراج والضيق وخيبة الأمل ، وقد يسوء ظننا بهم ، زمنا طويلا ، وقد نتخلى عنهم ، ونمحو أسماءهم من قائمة الأصدقاء أو المقربين تبعا لما نجده في تصرفاتهم وردود أفعالهم .
وإذا استثنينا قلة من الأصدقاء الذين لم تغيرهم الظروف ولم تبدِّلهم أحوالُ الحياة بالرغم من قسوتها ، أو ما زالت قلوبهم رحيمة ومخلصة ووفية ، وأخلاقهم عالية ، بينما لا قبل لغيرهم ، أن يستقيموا على هذا النهج أو أن يدوموا على هذا الحال .
لقد أوجز الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حياة الإنسان واصطباره على الأذى ، وتجنيب نفسه كثيرا من المكاره بقصيدته المشهورة ( صن النفس واحملها على ما يزينها) .
ولعل وضع نصّ القصيدة بالكامل أشفى وأجمل وأكمل .. يقول الإمام علي كرم الله وجهه :
صُنِ النَفسَ وَاِحمِلها عَلى ما يزيِنُهـــــا *** تَعِش سالِماً وَالقَولُ فيكَ جَميـــلُ
وَلا تُرِينَّ الناسَ إِلّا تَجَمُّـــــــــــــــــــلاً *** نَبا بِكَ دَهرٌ أَو جَفاكَ خَليــــــــلُ
وَإِن ضاقَ رِزقُ اليَومِ فَاِصبِر إِلى غَدٍ *** عَسى نَكَباتِ الدَهرِ عَنكَ تَـزولُ
يَعِزُّ غَنِيُّ النَفسِ إِن قَلَّ مالُـــــــــــــــهُ *** ويَغنى غَنِيُّ المالِ وَهوَ ذَليــــلُ
وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّــــــــــــــونٍ *** إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ
جَوادٌ إِذا اِستَغنَيتَ عَن أَخذِ مالِــــــــــهِ *** وَعِندَ اِحتِمالِ الفَقرِ عَنكَ بَخيـــلُ
فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُــــــــــــم *** وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليــــــــــــلُ
ومع أن الخير سيبقى في أمتنا إلى يوم الدين ، لكن علينا أن ندرك ونعي بأن ظروف الحياة في تبدل دائم ، ولا يمكننا أن نستقريء ما بالغيب من أسرار ، ولا نعلم ما يخبئه القدر ، فالعمر قصير ، والحياة محفوفة بالمخاطر ، فلا يأمنَنَّ الإنسان عواثر الأيام ، وخبايا الزمن ، ولنجعل هدفنا في الحياة هي مرضاة الله ، والبعد عن المعاصي والذنوب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، والله هو ولينا في الدنيا والآخرة ..
والسلام عليكم ،،،،

ليست هناك تعليقات:

مجلة واحة الثقافة والادب الالكترونية