السبت، 8 أكتوبر 2016

الحياة كما تدين تدان .....الرائعة حنان الجندي

في ذلك اليوم المشؤوم جلست إلى طاولتها المعتادة في ركنها الهاد
ئ تسترجع ذكرياتها ومذكراتها' وإذ به يأتي إليها ضاحكاً مستبشرا والأرض من تحته ترقص فرحآ وطربا ' اعترف لها بحبه لأخرى وأنها ما كانت في ذاكرته وحياته إلا ذكرى جميلة لحلم الشباب الذي لم يكتمل' وأن حياته الآن هي الواقع الأجمل. 
حينها أحست بداخلها شيء انكسر وتبعثر إلى أشلاء و شظايا ورماد ' كسر فيها الأمل والوجل' وضاع ما كانت تتمناه ' أحست بدمار الحروب' وتشرد الشرايين والقلوب 'وبرودة الصقيع في أضلاعها واوصالها' فانتهبت منها الأوطان بعد أن كان هو الحب والحنان والأمن والأمان ' و ضاع منها الزمان والمكان ولم يعد لها مرسى او شطآن 'حينها فقط أدركت أنها كانت مجرد لعبة ويلعبها من حين لآخر' ف أكملت فنجان قهوتها السادة وابتسمت ورمت دفتر مذكراتها في الهواء لتتناثر أوراق عمرها الضائع في الأرجاء ' وهي تردد الحياة كما تدين تدان.... كما تدين تدان.......
ومرت الأيام طويلة بائسة متشابهة لم تكن تعرف فيها لذة الحياة وجمالها ومرت شهور على ذلك المنوال حتى تهالكت صحتها واختار التعب و الذبول جسدها النحيل..
وبعد أيام من الراحة والنقاهة بدأت تراجع فيها شريط حياتها وما حصل فيها وما مر عليها وفجأة انتفضت و اتخذت قرارها بقوة وحزم و لمعت عيناها من جديد حين خاطبت نفسها : أنا إنسانة ما زالت على قيد الحياة تتنفس وأن من حقي السعادة.
فقررت البدء من جديد و أخذت تردد أنا الأفضل واستحق الأفضل دائماً ' ودبت الحياة والروح والأمل فيها من جديد مع الأسرة والأهل والأصحاب' وركزت كل طاقتها الإيجابية في عملها ' فهي تعمل في أحد مكاتب البورصة وعالم المال والأعمال' وطارت شهرتها بحسن التعامل والمصداقية في العمل والسرعة في الإنجاز ' وتوالت الأيام عندها ومن نجاح إلى نجاح ومن ترقية إلى ترقية و أحست بجمال الحياة وأنها تستحق أن تعاش.
وفي أحد الأيام أ بلغتها الموظفة بوجود عميل ينتظرها ' فرسمت الابتسامة على وجهها و ألقت التحية وجلست إلى مكتبها ' و إذ بها تراه جالساً أمامها' عرفته رغم كل التبدلات التي طرأت عليه من شعر أشيب و حركات متثاقلة و صوت أجش و نظارة سميكة وعينين ذابلتين بلا بريق أو أمل حتى وملابس رثة لا تليق بمن كان مثله ومن اختارته فارساً لأحلامها في السابق .
جلست في كرسيها مصدومة مدهوشة وفي لحظات قليلة مرّ شريط ماضيها معه و تذكرت الماضي الأليم بكل ما فيه من حزن ودموع وخيبة أمل وتدهور حالتها الصحية بسببه ' وفجأة عادت إلى الواقع مع دخول الموظفة بفنجان قهوتها المعتادة ورائحتها المميزة ' هنا فقط رفع الرجل عينيه إليها و تأملها بتمعن شديد ' و فجأة عم الصمت المكان وتوقفت حتى دقات الساعة ليغلبها دقات القلوب '
لقد عرفها وتذكر خذلانه لها و لعبه بمشاعرها و استهتاره بعواطفها واحلامها' فأين هي الآن؟.... و أين هو؟
لقد لعب القدر لعبته ودار دورته بينهما ' فهو أراد أذيتها ليرضي غرور آدم وهي أرادت حبه و إخلاصه ' هو تركها ورحل إلى لعبة جديدة و هي تألمت و عانت ولكنها استمرت ' هو تهاوى إلى مدارك الحضيض و هي صعدت إلى أعلى درجات سلم النجاح .
هنا فقط أدرك الخطأ الذي ارتكبه في حياته بحقها بتلاعبه بمشاعر الآخرين' واستوعب أن الحياة لن تتوقف عليه.
فجأة وقف بهدوء وحاول أن يتوزان على أرض تهاوت من تحت أقدامه ' واعتذر عن ازعاجها وغادر مردداً : الحياة كما تدين تدان...... ورددت معه : كما تدين تدان ...

ليست هناك تعليقات:

مجلة واحة الثقافة والادب الالكترونية