الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

البحث عن العدل \\ بقلم الدكتور محمد القصاص

منذ أن استقلت بعض الأقطار العربية وفكت قيودها من براثن الاستعمار العثماني في مطلع القرن الماضي ، ودويلات العالم العربي الذي كان يبحث أهلها عن الاستقلال والحرية ، يسعون إلى معيشة وحياة أفضل ، نالت دويلات العالم العربي استقلالها تباعا ، وظلَّت شعوبها تعيش على أمل أن تصبح شعوبا لها مكانتها ما بين شعوب العالم ، لأنها تعيش في كنف العدل والمساواة ، تحت حكم بعض أبنائها الذين تسلموا قياد السفينة بشكل مطلق منذ المنتصف الثاني من القرن الماضي .

لكن أحلام تلك الشعوب التي عانت الأمرين في تلك الحقبة على أيدي الغزاة ، تبددت وذهبت إدراج الرياح ولم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم ومستحقاتهم ، بل فقد أصبح الحكام العرب جميعهم تبعا للدول الاستعمارية ، تلعب بهم التيارات المتصارعة ، وتأخذهم تلك التيارات ذات اليمين وذات الشمال ، حتى أن الشعوب نفسها باتت تتأرجح بتأرجح التيارات دون أن تفهم من أمرها ووجهتها شيئا .
لقد أنعم الله على بعض الأقطار العربية بعد الاستقلال بأنعم كثيرة ، فأصبحت دولا غنية يفترض أن تتنعم بخيرات أوطانها ، وخاصة بعد أن اكتشف النفط في كثير منها ، لكن المشكلة أن تلك الشعوب لم يكن بإمكانها التلذذ بتلك النعم والخيرات كما أرادت ، لأن حكامها ، كانوا مقيدين إلى أبعد حد ممكن ، ولم يكن بوسعهم أن يستخدموا ما تمنحهم إياه حرياتهم الشخصية بسهولة ، بل لم يكن بإمكانهم التصرف بأدنى شيء من الخيرات والنعم الإلهية كما يشاؤون .
وفيما كانت يقظة الغرب مبكرة ، إذ عرفوا حقيقة مدى تحول العالم العربي من دول فقيرة إلى دول غنية وثرية ، لا بل وأدركوا فلسفة ما يحمله ذلك الانتقال المفاجئ والسريع من حالة الفقر إلى حالة الغنى والثراء على الشعوب قبل الحكام ، ولذلك بادروا باختلاق المشاكل والنزاعات وإثارة الحروب في المنطقة ، وراحوا يُشغلون الدول العربية بالخلافات والنزاعات فيما بينهم ، فاشغلونا عن عدونا المشترك جميعنا بالتالي ألا وهو الكيان الصهيوني الذي كان يعد العدة لإقامة دولته المزعومة على أرض فلسطين ، والتي كانت مثار صراع وخلاف كبير في المنطقة مع مطلع المنتصف الثاني من القرن الماضي ، ما بين العرب والدولة الصهيونية المحتلة ، التي أوجدها الغرب نفسه وقام بدعمها بالسلاح والعتاد وبكل إمكانيات العدوان، ولقد تآمرت علينا كلُّ الدول المستعمرة وخاصة بريطانيا التي وقفنا معها بكل طاقاتنا وإمكاناتنا ، وهي التي ردت لنا ا لجميل ، بأن تعاونت وساعدت على قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين عسكريا وسياسيا ودون وجه حق .
ولقد كان لقيام دولة إسرائيل غير المشروع في فلسطين ، مبرران اثنان بنظر الغرب ، وهما : أولا التخلص من وجود اليهود في بلاد الغرب ، نظرا لفسادهم وغدرهم وعدم انتمائهم للدول التي كانوا يقيمون فيها ، وثانيا لكي يجعلوا لهم قاعدة استعمارية في الشرق الأوسط ، تكون مهمتها الأساسية إذلال العرب ، وإخضاعهم لتياراتهم السياسية في المستقبل حيث ترتب على ذلك تشريد غالبية شعب فلسطين ، وطرده من تلك البقعة المقدسة ..
لكن الصراع بين الزعماء العرب وشعوبهم على وجه الخصوص ، كان أكثر اشتعالا وعدوانية ، وقد تسبب حرمانهم من التلذذ بخيرات بلدانهم وثرواتها بخلق هوة سحيقة ما بين القيادات والقواعد الشعبية في تلك الأقطار ، جعلت الحكام يستنيرون بمخابرات الغرب كي يكبحوا جماح شعوبهم وتطلعاتهم نحو مزيد من الرفاهية والرخاء ، في أوطانهم ، وبذلك استطاعت المخابرات الغربية أن تساعد في خلق المشاكل والخلافات ما بين الشعوب وحكامهم ، وعمقت الهوة ما بين الطرفين ، ودعمت الشعور بالكراهية للحكام لدى عامة الناس ، لكنها كانت مشاعر خفية لم يتمكن أصحابها من البوح بها ، لأن الرد عليهم سيكون مؤلما ، فقد أعِدَّتْ المعتقلاتُ والسجون ، وأتي بالجلادين المتمرسين الذين تدربوا على أيدي الأشرار في سجون العالمين الشرقي والغربي ، وبهذا الإعداد لكل محاولة من محاولات الشعب المظلوم بأي انتفاضة أو ثورة شعبية ، فقد كان من الغباء أن يقوم الشعب المظلوم بأي ثورة قد تكون وبالا عليه وعلى مجتمعه بشكل كامل .
فاستطاع العدو بذلك من خلق روح العداء والبغضاء والكراهية ما بين الشعوب وبين حكامها ، وجعلتهم دائما في يقظة تامة من شعوبهم وليس من أي عدوان خارجي ، وحين سلموا زمام الأمور (القيادة والأمن) كلها إلى الأعداء ، أيقنوا حين ذلك أنهم بمأمن تام عن مكمن الخطر .
وعندما أحسوا بالأمان ، ضيقوا الخناق على شعوبهم ، وأذاقوهم وبال الفقر والعوز والجوع والجهل ، لعدة عقود ، لم يخشوا أبدا بأن الله ليس بغافل عما يفعل الظالمون .
لم يدركوا عدل الإسلام ، ولم يتقوا الله في رعيتهم ، ولم يطبقوا شيئا من عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي عاش حياته لا يخش الأقدار ، وكان خير متوكل على الله في كل الأمور خيرها وشرها ، وعندما جاءه رسول كسرى أيام خلافته وسأل عنه ، فقيل له إنه هناك ، ينام تحت شجرة وارفة الظلال ، لم يكن حول من الحراس والجيوش والمسلحين ما يدرأ عنه الأخطار ..
وحينما وصل له ذلك الفارسي ، وجده قد نام على الأرض وتوسد نعليه ، غير مكترث بالدنيا وما فيها ، فقال له الفارسي السلام عليك يا عمر ، والله إنك حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ..
عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) شخصية معروفة لا يمكنني سرد مئات القصص الأخرى عنه .
وحينما نتجه بفكرنا وعقولنا نحو حكامنا العرب لا نجد في الحقيقة سوى أعوانا وذيولا للمستعمرين والصهاينة أينما وجدوا ، إنها علاقة يسودها الإذلال والجبن ، بالرغم من اتساع المسافات التي تفصل فيما بينهم ، وبالرغم من قصر المسافات التي تفصل بينهم وبين شعوبهم .
لقد عانت الشعوب الويلات ، وأصبحوا يبحثون عن المخرج بكل ما استطاعوا من قوة ، وبكل ما يكلفهم هذا المطلب من تضحيات جسام ، ولقد رأينا ما رأينا من حروب واقتتال ودماء وتضحيات على أرضنا العربية ، والتي ما زالت تكلفنا الكثير من الخسائر البشرية والمادية ، ولو فكر الحكام بعقل ومنطق ، لما وصل الأمر إلى هذا الحد من الفلتان والضياع ، لقد قتل من قتل من الحكام المستبدين الظلمة ، وبقيت الساحة حتى الآن حكرا على المجرين ، وبقايا لشراذم تابعين للحكام الذين قتلوا ، ومع ذلك فما زال بعض الحكام يتحدون إرادات الشعوب ، وما زالوا يسعون إلى بناء حكم جديد على جماجم الشعوب المنتفضة .. 
وأما ما نراه اليوم من استمرار بعض أساطين الحكم في عالمنا العربي وما تقوم به بعض الحكومات العربية من استفزاز للشعوب وتحد لإراداتهم ، وما نراه من الواسطة والمحسوبية والظلم ، وانتهاك لحقوق الفقراء الذين ليس لهم واسطة ولا هم مدعومون من بعض الجهات ، فلا بد أن يزجر المتنفذون في تلك الحكومات ، وأن يتم ثنيهم عن الاستمرار بارتكاب الأخطاء نفسها ، لأن العظة فيما كان من قبل ، يجب أن لا تغيب عن الأذهان ، ولا يجب أن تتكرر ، وهي تتكرر فعلا ..
إن الواسطة والمحسوبية والرشاوى التي نشهدها على الساحة اليوم ، لن تمضي بلا حساب ، أؤكد لكم أيها المتنفذون بأنها لن تمضي بلا حساب ، وإن عليكم أن تتقوا الله وتحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وإن جاء يوم الحساب فلسوف تجدون أنفسكم في مهب الريح ، ولن ينفعكم راش ولا مرتشي ولا وزير ولا متنفذ ولا صاحب سلطان .
إن ما نراه اليوم على الساحة لشيء خطير ، وما يقوم به بعضالأزلام هو خلل واضح ، وإثم ظاهر وعدوان سافر على كرامة المواطن والإنسان بشكل عام .
إن التعيينات التي تتم في الخفاء والسر والعلن ، والامتحانات التنافسية الشكلية لهي كاذبة ومثيرة للسخرية ، والتي تبين أنها إنما تمهد للواسطة والمحسوبية فقط ، بل وهي قصعة شؤم تتشارك بها كل الجهات المعنية ، بدءا من رئيس الوزراء (الصامت) ، ووزير التربية والتعليم ، وبعض الوزراء الآخرين ومدير ديوان الخدمة المدنية بالذات ، وبعض النواب والمتنفذين في الدولة .
ومن الغريب والمستهجن بأنني لم أسمع صوت عدل ، ولا كلمة حق تقال على الساحة من قبل أي كان ، بل ولم يتصدى لهذا الفساد كائن من كان .. فأين العدل وأين الحق وأين المساواة أيها المسئولون ؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

مجلة واحة الثقافة والادب الالكترونية